Posted by: rm29 | أوت 29, 2008

خير الكلام

.

.

.

.

.

.

.

بسم الله الرحمن الرحيم

” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ “

” شهر رمضان ، شهر القرآن ، فيه أنزل ابتداء ، وفيه كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدارس جبرائيل – عليه السلام – كل ليلة ، و المقصد من قراءة القرآن التدبر وحياة القلوب ، وأما الختم فمقصوده لتكثيف تلاوته لا المسارعة وغياب المقصود “

كلمة

صفحة القرآن الكريم من طريق الإسلام ( صوتياً )

تأملات قرآنية للشيخ : صالح بن عوّاد المغامسي ( مقروء )

موقع القارئ : محمد جبريل

.

.

.

.

.

Posted by: rm29 | أوت 29, 2008

خواطر رمضانية

.

.

.

.

.

.

.

قال – صلى الله عليه وسلم – :

” من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ”

متفق عليه


خواطر رمضانية ( هنا )

.

.

.

.

.

Posted by: rm29 | أوت 29, 2008

محاضرات ( صوتية ، مرئية )

.

.

.

.

.


صفحة محاضرات رمضان هنا


ومنها :

1.

قطوف رمضانية


الشيخ: سلمان بن فهد العودة
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :49357


2.

كيف تستقبل رمضان ؟


الشيخ: عائض بن عبد الله القرني
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :49443


3.

لماذا نخسر رمضان ؟


الشيخ: إبراهيم بن عبد الله الدويش
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :35887


4.

رمضان موسم الطاعات


الشيخ: محمد حسان
التصنيف: ملفات شهر رمضان والعشر الأواخر
عدد الزوار :34678


5.

بين يدي رمضان


الشيخ: محمد إسماعيل المقدم
التصنيف: فقه الصيام
عدد الزوار :47759


6.

كيف تستقبل رمضان ؟


الشيخ: ناصر بن سليمان العمر
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :38281


7.

وقفات رمضانية


الشيخ: ناصر بن سليمان العمر
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :9652


8.

كيف تستقبل رمضان ؟


الشيخ: وجدي غنيم
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :57404






9.

أهلا رمضان


الشيخ: محمد صالح المنجد
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :34424


10.

فرحة رمضان صائمون إحتسابا


الشيخ: سلمان بن فهد العودة
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :10768


10.

جلسة رمضانية


الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
التصنيف: العقيدة الإسلامية
عدد الزوار :24063


12.

رمضان فرصة للتعليم والتربية


الشيخ: محمد صالح المنجد
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :18051


13.

رمضان مدرسة الأجيال


الشيخ: ناصر بن سليمان العمر
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :8348



14.

الفائزون في رمضان


الشيخ: إبراهيم بن عبد الله الدويش
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :30430



15.

الزاد الرمضاني


الشيخ: محمد صالح المنجد
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :17629


16.

رمضانيات مسلمة


الشيخ: عمر بن سعود العيد
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :9011


17.

رمضان يا حسرة المحرومين


الشيخ: سعد بن عبد الله البريك
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :10171


18.

رمضان بين الشكر والبشرى


الشيخ: محمد صالح المنجد
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :15145


19.

البيت المسلم في رمضان


الشيخ: فالح بن محمد الصغير
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :8149


20.

رحيل رمضان


الشيخ: سعود بن إبراهيم الشريم
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :17690


21.

ماذا استفدنا من رمضان ؟


الشيخ: عمر بن سعود العيد
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :7460


22.

هدي السلف في رمضان


الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :12716


23.

رمضان بين العادة والعبادة


الشيخ: سعد بن عبد الله البريك
التصنيف: التصنيف العام
عدد الزوار :10426

Posted by: rm29 | أوت 29, 2008

كلمات رمضانية

“والعشر الأواخر من رمضان هي أفضله، ولياليها أفضل من أيامها، وتقابلها في السنة العشر الأوائل من ذي الحجة، فعشر ذي الحجة أفضل أياما وعشر رمضان أفضل ليالي، فليالي العشر الأواخر من رمضان فيها ليلة القدر، وأيام العشر الأوائل من ذي الحجة فيها يوم عرفة، هو أفضل أيام السنة، وهذه العشر الأواخر بالخصوص لها مزية كبيرة وهي وجود ليلة القدر فيها ووجود ليلة المغفرة، ليلة العتق وهما ليلتان في العشر الأواخر من رمضان.

أما ليلة العتق فهي الليلة الأخيرة من رمضان لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى يعتق الصائمين والصائمات في آخر ليلة من ليالي رمضان من النار، فقيل: أليلة القدر هي، قال: لا ولكن العامل إنما يوفى أجره عند نهاية عمله، وهذا يدل على أن الليلة الأخيرة من رمضان دائما ليست ليلة القدر وإنما هي ليلة العتق، سواء كانت وترا أو شفعا كما إذا كان رمضان تسعة وعشرين يوما والليلة التاسعة والعشرين هنا ليست ليلة القدر وإنما هي ليلة العتق، وإذا كان شفعا فكذلك إذا كان رمضان ثلاثين يوما فليلة الثلاثين هي ليلة العتق، وليست ليلة القدر.”

العلامة محمد الحسن الددو

“فالإنسان في سائر حياته فتح عليه خمس جبهات، وهذه الجبهات تخف شدتها في رمضان وفي هذه العشر منه، والجبهات الخمس هي أولا جبهة الشيطان الذي هو عدو للإنسان وهو يأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، كما قال الله تعالى حكاية عنه: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}.

وهذه الجبهة مخففة في رمضان لأن مردة الشياطين وهم أقواهم وأعتاهم يصفدون فيكتفون فلا يصل ضررهم إلى الإنسان إلا بالوسواس من بعيد، وإن كان من سواهم من الشياطين من غير المردة يبقون على تصرفهم، وبذلك يقع الجنون وتقع الكبائر والآثام في رمضان من العصاة لأن بقية الشياطين من غير المردة غير مصفدين.”

العلامة محمد الحسن الددو

“ولقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله (بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان). فالذين لا يعرفون الله إلا في رمضان لا خير فيهم، فرمضان مدرسة ليتعود الإنسان على التعرف لى الله في الرخاء وفي وقته كله وليس وقتا مخصوصا للطاعة دون ما سواه، بل كل أوقات السنة هي أوقات لطاعة الله سبحانه وتعالى وعبادته، ورمضان موسم فيه زيادة الأجر وفيه تحريص على الطاعة، لكن المقصود بذلك أن تبقى مع الإنسان هذه الطاعة وأن يتعود عليها طيلة السنة.”

العلامة محمد الحسن الددو

“فالإنسان الصائم يزداد من الله قربا لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها يقول الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ومصداق ذلك من القرآن أيضا قول الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، فجمهور أهل التفسير يفسرون الصابرين هنا بالصائمين، فهم يوفون أجرهم بغير حساب، فلا يدخل في حساب الحسنات بل هو أكثر من ذلك ليس له عدد محصور، بخلاف غير الصوم من الحسنات فإنه محسوب، الحسنة في الأصل بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء، لكن الصوم إنما هو نفحات وحفنات من الأجر ليست محصورة ولا معدودة، ولذلك جاء في هذا الحديث بيان علة هذا فقال: يقول الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يترك طعامه وشرابه ولذته من أجلي، وفي رواية وشهوته من أجلي، فتركه لمشتهيات نفسه ولما يحبه من المطاعم والمشارب والشهوات من أجل الله جل جلاله هو سبب هذا الأجر العظيم فيه.”

العلامة محمد الحسن الددو

الصيام يُربي في النفس الفضائل والإخلاص والأمانة والصبر عند الشدائد، لأنها إذا انقادت للامتناع عن الحلال من الغذاء الذي لا غنى لها عنه طلباً لمرضاة الله تعالى وخوفاً من أليم عقابه. فالأحرى بها أن تتمرن على الامتناع عن الحرام الذي هي غنية عنه
عبد العزيز آل سلمان – المناهل الحسان في دروس رمضان

القرآن نص صراحة على أهم خصائص الصيام وحكمته وأبان بأنها الحكمة والغاية من الأديان كلها. وأنها أخص خصائص الشريعة الإسلامية وهي “التقوى”وذلك في معرض التشريع الأول للصيام: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

عطية محمد سالم – استقبال المسلمين لرمضان

إن قوما يمسكون عن ملاذهم ويتقون الله عز وجل شهرا كاملا و يكونون كذلك لابد أن تتغير مناهجهم , ولهذا كان شهر الصيام لمن وفق تربية عظيمة للنفس بالصبر والتحمل والتقوى وكثرة الطاعات

شرح رسالة ” حقيقة الصيام ” لابن تيمية – ابن عثيمين .

في المبادرة إلى الفطر سر لطيف هو الإشعار بأن العبد ضعيف وكان ممنوعا من رزق الله وقد جاء له الإذن بتناوله فلا يجمل به التأخر بل يبادر فرحا بنعمة الله عليه كما جاء في الحديث: “للصائم فرحتان إذا أفطر فرح بفطره. وإذا لقي ربه فرح بصومه”.

عطية محمد سالم – استقبال المسلمين لرمضان

رمضان وحده عمر طويل لمن رام الثواب الجزيل، فإن في لياليه ليلة واحدة خيراً من ألف شهر

عبد العزيز آل سلمان – المناهل الحسان في دروس رمضان

وكفى بالصوم خصاصية أن اختصه تعالى لنفسه دون بقية الأعمال كما في الحديث القدسي: “إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.

عطية محمد سالم – استقبال المسلمين لرمضان


معلوم أن الإنسان إذا اغتسل وتَشَرَّبَ جلده الماء فإنه لايفطر بالاتفاق , كذلك الدهن فلو تدهن وهو صائم فإنه لايفطر بالاتفاق .

شرح رسالة ” حقيقة الصيام ” لابن تيمية – ابن عثيمين .

ينبغي أن يُخفف – الصائم – عشاءه في ليالي رمضان ليهضم طعامه قبل السحور ولأن الامتلاء من الطعام ربما يكون سببا للتخم. والشبع مذموم لأنه يوجب تكاسل البدن وكثرة النوم وبلادة الذهن.

عبد العزيز آل سلمان – المناهل الحسان في دروس رمضان

Posted by: rm29 | أوت 29, 2008

ددويّات

ددويات

“أما الجانب الآخر من جوانب التربية فهي التربية الروحية. والمقصود بها تطوير الروح وتنميتها وتزكيتها. وقد أقسم الله سبحانه وتعالى في كتابه أحد عشر قسما على فلاح من زكى نفسه وعلى خسران من أهملها، فقد قال تعالى : (والشمس وضحاها*والقمر إذا تلاها*والنهار إذا جلاها*والليل إذا يغشاها*والسماء وما بناها*والأرض إذا طحاها*ونفس وما سواها* فألهمها فجورها وتقواها*قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها)

والتزكية إما أن تكون مشتقة من الزكاء أو من الزكاة، فالزكاة تعني الزيادة، والزكاء تعني الطهارة، والطهارة هنا مقدمة على الزيادة لأنها من درء المفاسد، والزيادة من جلب المنافع، ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع.

وهذا التطهير النفسي المقصود هو الذي يسمى بالتخلية، أي إزالة الأخلاق والأوصاف الذميمة عن النفس. أما الزيادة فهي التي تسمى بالتحلية، وهي زيادة الأوصاف والأخلاق الحميدة التي تحتاج النفوس إلى اكتسابها”

العلامة محمد الحسن الددو

التربية الروحية

“لا بد أن يدرك الإنسان أن نفسه التي هي أقرب شيء إليه تحتاج إلى مجاهدة. فكما يجاهد الإنسان عدوه لا بد وأن يجعل نفسه في قفص الاتهام، لأن أصل النفوس التطفيف، فصفة النفس لدى النفس التطفيف، والتطفيف معناه محاولة الإنسان أن يأخذ كل حقوقه وأن لا يدع منها شيئا، وأن يحاول أيضا أن لا يؤدي للآخرين حقوقهم وأن يأخذ منها ما استطاع، وإذا نظر كل واحد منا إلى نفسه سيجد أنها مائلة إلى أن تأخذ كل حقوقها، وأن لا تتجاوز عن أي شيء منها، وتحاول في المقابل ترك بعض حقوق الآخرين. والله تعالى يقول: (ويل للمطففين*الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون*وإذا كالوا هم أو وزنوا هم يخسرون*إلا يظن أولئك أنهم مبعوثون* ليوم عظيم* يوم يقوم الناس لرب العالمين)”

العلامة محمد الحسن الددو

التربية الروحية

“ولذلك يصعب على الإنسان إذا تربى على شيء أن يتركه بوجه من الوجوه، ولهذا فأتباع الرسل في أغلبهم هم الذرية قبل أن تتكون شخصياتهم وقبل أن يأخذوا مواقعهم في المجتمع. وقد قال الله تعالى: “فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه”. وفي سؤال هرقل لأبي سفيان قال: (أأشراف الناس اتبعوهم أم ضعفاؤهم؟) قال: (بل ضعفاؤهم)، قال: (هم أتباع الرسل).”

العلامة محمد الحسن الددو

التربية الروحية

“المرء على دين خليله، وقد كان أهل الجاهلية يعرفون الإنسان الجاد من صحبته، فمن صحب الأخيار دل ذلك على طيب عنصره، ومن صحب الأشرار دل ذلك على خبثه، فالمرء مع قرينه. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي أتاهم فرأى ما هو فيه وأصحابه فأعجبه ذلك ولم يطقه. فقال يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟!. فقال: أنت مع من أحببت. فالإنسان مع من أحب، حتى لو كان دونه أو قاصرا عنه، إذا أحب ما هو فيه اقتضى ذلك منه التعلق به فيوصله الله إليه لأن نية المرء أبلغ من عمله.”

العلامة محمد الحسن الددو

التربية الروحية

“لا بد أن يقطع الإنسان علاقته بقرناء السوء بالكلية. ولا شك أن الإنسان يلاحظ في نفسه في صحبته للصالحين تشوفا إلى الخير، واستعدادا له، ويجد في نفسه كذلك شفّافية وتنويرا في بصيرته. وفي المقابل يجد في صحبته لأهل الشر وركونه إليهم يجد في نفسه تثاقلا عن الطاعة وعدم عناية بالأمر وانطماسا في البصيرة وظلمة في القلب وسوء فهم للشرع، فكل ذلك من آثار هذه الصحبة”

العلامة محمد الحسن الددو

التربية الروحية

“الجبهة الخامسة هي مفاتن الدنيا وشهواتها، فهذه الدنيا هي دار غرور، لكننا فيها وقد أحاطت بنا من كل جانب. فلا بد للذي يعيش فيها أن يدرك حقيقتها أولا، وحقيقتها تجري على الألسنة دون أن تتردد على القلوب كثيرا، فكل إنسان منا إذا سئل عن الدنيا قال لا تساوي شيئا ولا تزن عند الله جناح بعوضة ولو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى فيها كافرا شربة ماء. لكن مع هذا إذا ردد وزن هذه الدنيا في نفسه وجد أنها مائلة إليها ووجد قلبه مشغولا بها، وهذا دليل على أن تقويمنا لها هو تقويم لساني لا تقويم جناني”

العلامة محمد الحسن الددو

التربية الروحية

“ولا يمكن للإنسان أن ينال شيئا من مناه في هذه الحياة الدنيا إلا بشيء من المذلة، فلا يوصل لشيء من مراد الدنيا إلا بمذلة من بعض أهلها. بينما نعيم الجنة أهله في غاية التكريم والتعظيم، فلا يمكن أن تعروهم أية ذلة، يصرف الله المذلة على أهل النار فلا حظ لأهل الجنة فيها كما قال الله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون* والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنهما أغشيت وجوههم قطع من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). وانظروا إلى حجم المذلة التي تجتاح إلى الإنسان من وراء كسبه للمال، ولذلك كفى بالطمع مذلة في هذه الدنيا، أما الجنة فلا يمكن أن تعرو وجوه أهلها أي مذلة بوجه من الوجوه، بل هم في غاية التكريم، وكفى تكريما أن الجبار سبحانه وتعالى يتجلى لهم ويناديهم من فوقهم (سلام قولا من رب رحيم)”

العلامة محمد الحسن الددو

التربية الروحية

“إن التربية الروحية للأولاد تبدأ بشحن هممهم حتى لا تكون هماتهم دنيّة، لأن الهمة الدنية مآل صاحبها أن تدعوه إلى المذلات والتعود عليها، وأبلغها مذلة عقوبة الله عز وجل. وأما الهمم العالية فتطمح بأصحابها إلى المراتب العلية فيرتقي حتى يصل إلى الجنة، ولا يرضى منها إلا بالفردوس الأعلى، ولا يرضى بجار غير محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يرضى أن يدعى اسمه تحت أي لواء إلا لواء النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم أصحاب الهمم العالية.

العلامة محمد الحسن الددو

التربية الروحية

“أما نحن الكبار، فلا بد أن يتطلع كل واحد منا في تربيته نفسه إلى ما فيه أولا من النواقص، وتحديد ما هي نقاط الضعف لدينا. نحن نعلم أن للإيمان جوانب وشعب كثيرة ولا نستطيع الإحاطة بها، لكن كفانا أن نسلك الطريق وأن نسير عليه، فمن مات على طريق الهداية تقبله الله، كما قال الله تعالى (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)”

العلامة محمد الحسن الددو

التربية الروحية

“والعشر الأواخر من رمضان هي أفضله، ولياليها أفضل من أيامها، وتقابلها في السنة العشر الأوائل من ذي الحجة، فعشر ذي الحجة أفضل أياما وعشر رمضان أفضل ليالي، فليالي العشر الأواخر من رمضان فيها ليلة القدر، وأيام العشر الأوائل من ذي الحجة فيها يوم عرفة، هو أفضل أيام السنة، وهذه العشر الأواخر بالخصوص لها مزية كبيرة وهي وجود ليلة القدر فيها ووجود ليلة المغفرة، ليلة العتق وهما ليلتان في العشر الأواخر من رمضان.

أما ليلة العتق فهي الليلة الأخيرة من رمضان لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى يعتق الصائمين والصائمات في آخر ليلة من ليالي رمضان من النار، فقيل: أليلة القدر هي، قال: لا ولكن العامل إنما يوفى أجره عند نهاية عمله، وهذا يدل على أن الليلة الأخيرة من رمضان دائما ليست ليلة القدر وإنما هي ليلة العتق، سواء كانت وترا أو شفعا كما إذا كان رمضان تسعة وعشرين يوما والليلة التاسعة والعشرين هنا ليست ليلة القدر وإنما هي ليلة العتق، وإذا كان شفعا فكذلك إذا كان رمضان ثلاثين يوما فليلة الثلاثين هي ليلة العتق، وليست ليلة القدر.”

العلامة محمد الحسن الددو

“فالإنسان في سائر حياته فتح عليه خمس جبهات، وهذه الجبهات تخف شدتها في رمضان وفي هذه العشر منه، والجبهات الخمس هي أولا جبهة الشيطان الذي هو عدو للإنسان وهو يأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، كما قال الله تعالى حكاية عنه: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}.

وهذه الجبهة مخففة في رمضان لأن مردة الشياطين وهم أقواهم وأعتاهم يصفدون فيكتفون فلا يصل ضررهم إلى الإنسان إلا بالوسواس من بعيد، وإن كان من سواهم من الشياطين من غير المردة يبقون على تصرفهم، وبذلك يقع الجنون وتقع الكبائر والآثام في رمضان من العصاة لأن بقية الشياطين من غير المردة غير مصفدين.”

العلامة محمد الحسن الددو

“ولقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله (بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان). فالذين لا يعرفون الله إلا في رمضان لا خير فيهم، فرمضان مدرسة ليتعود الإنسان على التعرف إلى الله في الرخاء وفي وقته كله وليس وقتا مخصوصا للطاعة دون ما سواه، بل كل أوقات السنة هي أوقات لطاعة الله سبحانه وتعالى وعبادته، ورمضان موسم فيه زيادة الأجر وفيه تحريص على الطاعة، لكن المقصود بذلك أن تبقى مع الإنسان هذه الطاعة وأن يتعود عليها طيلة السنة.”

العلامة محمد الحسن الددو

“فالإنسان الصائم يزداد من الله قربا لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها يقول الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ومصداق ذلك من القرآن أيضا قول الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، فجمهور أهل التفسير يفسرون الصابرين هنا بالصائمين، فهم يوفون أجرهم بغير حساب، فلا يدخل في حساب الحسنات بل هو أكثر من ذلك ليس له عدد محصور، بخلاف غير الصوم من الحسنات فإنه محسوب، الحسنة في الأصل بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء، لكن الصوم إنما هو نفحات وحفنات من الأجر ليست محصورة ولا معدودة، ولذلك جاء في هذا الحديث بيان علة هذا فقال: يقول الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يترك طعامه وشرابه ولذته من أجلي، وفي رواية وشهوته من أجلي، فتركه لمشتهيات نفسه ولما يحبه من المطاعم والمشارب والشهوات من أجل الله جل جلاله هو سبب هذا الأجر العظيم فيه.”

العلامة محمد الحسن الددو

فعندما بعث بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام هيأه الله لتحمل هذه المسئولية الجسيمة، فقد اختاره الله من أوسط نسب قومه، فهو أشرفهم نسبا، والأوسط بمعنى الأشرف والأفضل من ناحية الآباء ومن ناحية الأمهات، لا يمكن أن يغمز أحد فيه من جهة النسب لئلا يكون ذلك حائلا بين الناس وبين اتباع دعوته، وما هذا إلا لطف من الله سبحانه وتعالى بعباده الذين يعلم ضعفهم وأنهم يتبعون من عرفوا نسبه وعرفوا مكانته، وإلا فالأنساب لا تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فالناس جميعا سواسية بين يديه وهم عباده جميعا، لكنه اختار أن لا يمتحنهم بما يتنافى مع طباعهم، فأرسل إليهم من هو أشرفهم نسبا

العلامة محمد الحسن الددو

الجيل الرباني الأول

عندما بعث عليه الصلاة والسلام لم يتصل فقط بعلية القوم وملئهم، ولم يحتقر أحدا أن يبلغ إليه رسالات الله، لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن قيَم أهل الدنيا ومعاييرهم ليست هي المعاييرُ عند الله، فهذا عبد الله بن مسعود راع للغنم من بني هذيل، وهو حليف في بني زهرة من قريش حرص رسول الله عليه الصلاة والسلام على هدايته فآمن واتبع وصدَّق، وكان من أفضل هذه الأمة، حتى إن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال فيه: رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد، كان نحيفا رقيقا لفقره، فصعد في شجرة فرآه بعض أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فضحك بعضهم من حموشة ساقه أي من رقة ساقه، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: أتضحكون من حموشة ساق ابن مسعود، فلهي والله عند الله أثقل من جبل أحد، فالمعايير التي عند الناس ليست هي المعايير عند الله، بل قد يُرَى الرجل الذي لا يعرفه أحد ولا يؤبه له وهو عند الله يوزن بالآلاف، ويرى الرجل الضخم السمين لا يساوي عند الله جناح بعوضة، وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: يؤتى بالرجل الضخم السمين يوم القيامة لا يساوي عند الله جناح بعوضة.

العلامة محمد الحسن الددو

الجيل الرباني الأول

“لذلك اتصل رسول الله عليه الصلاة والسلام بمن يثق بهم ثلاثَ سنين لا يدعو إلا من يثق به، وهذا يدلنا على أهمية الثقة بين الناس، فمن المهم أن تتصل القلوب وأن يقع بينها التعارف، وأن يقع بينها الانسجام والتفاهم، فإن ذلك معين على تقبل الحق وسماعه، فقد مكث رسول الله عليه الصلاة والسلام ثلاث سنين لا يدعو إلا من يثق به، وقد فعل ما فعل من سبقه من الأنبياء، فقال: من أنصاري إلى الله فاستجاب له الذين أراد الله بهم الخير من ذلك الجيل المشرف فاجتمعوا حوله.

وأول ما بدأ به رسول الله عليه الصلاة والسلام صياغة الرجال، فقد بدأ بتكوين أولئك القوم وتربيتهم على خلاف مفاهيم الجاهلية، فأزال من أذهانهم كل ما يتصل بالجاهلية، فتلك المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة في الجاهلية عالجها رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى محاها بالكلية، ولذلك قام فيهم خطيبا ذات يوم فقال: إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتفاخرها بالآباء، فقد أذهب الله عنهم ذلك بالكلية، وأصبح الرجل منهم يعرف أن أباه عدوٌّ له، وأن أخاه عدو له، إذا لم يسر معه على طريق الحق، ولهذا أنزل الله فيهم، ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان﴾، هؤلاء القوم انظروا إلى الفرق الشاسع والبون الكبير بين حالهم وحال أهل الجاهلية الذين كانت القبيلة بكاملها تقاتل من أجل نصرة فرد من أفرادها ظالم وقع في ظلم سافر، ومع ذلك تنصره القبيلة بكاملها، فإذا غضب، غضب لغضبه سبعون ألفا لا يسألون مما غضب كما قال الأحنف بن قيس، فهم بعد هذا أصبحوا يقاطعون ويقاتلون آباءهم وإخوانهم وأبناءهم وعشيرتهم في ذات الله عز وجل.”

العلامة محمد الحسن الددو

الجيل الرباني الأول

إن ذلك الجيل قد رباهم الله وهيأ لهم الظروف ليخلعوا أمر الجاهلية بالكلية، فأنتم تعلمون حرص أهل الجاهلية وبخلهم وأن كل إنسان منهم لا يمكن أن يؤثر أحدا بخير، لكن ذلك الجيل الفاضل عندما حاصرهم أهل الجاهلية وحاربوهم وحبسوهم في الشعب لا يبيعون إليهم ولا يشترون منهم ولا يُنكحونهم ولا يَنكحون إليهم ثلاث سنين جعل الله لهم هذه البيئة الصالحة لمقاطعة أهل الجاهلية، حتى يتحقق فيهم قيم الإسلام، فلولا حصار الشعب لم يستطع أولئك القوم أن يحققوا قيم الإسلام تماما كما هي مثل الإيثار، فالإيثار الذي تحقق بينهم إذ ذاك إذا سمعه أحد الآن عجب له، تصوروا أن عددا كبيرا من الفقراء الذين لا يملك أحد منهم ثوبا ولا لقمة عيش وهم في حرب وهم محاصرون يحاصرهم الأقربون والأبعدون، ولا يستطيع أحد منهم أن يخرج لحاجة، يجد أحد منهم كساء أو جُبَّة مدفونا في الأرض فينفضه ويأتي به أصحابه، ولا يستأثر به دونهم، ويجد أحدهم جلدا يريد أكله وهو في غاية الجوع فيغسله ويأتي به أصحابه ليشتووه ويأكلوه جميعا، إنه الإيثار الذي أثنى الله به على الأنصار فيما بعد، يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: لقد رأيتنا في الشعب مع النبي عليه الصلاة والسلام وقد اشتد بنا الجوع، فخرجت لبعض حاجتي فوقعت يدي على شيء، فإذا هو جلد، فأخذته فأتيت به أصحابي فغسلناه وشويناه وأكلناه.

ويقول عتبة بن غزوان رضي الله عنه لقد رأيتنا بالشعب مع النبي عليه الصلاة والسلام وما منا أحد إلا وهو يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ولقد خرجت ذات ليلة لقضاء بعض حاجتي فوقعت يدي على شيء فإذا هو جُبَّة، فنفضتها فأتيت بها أصحابي، فاقتسمتها أنا وسعد بن مالك ائتزرت بنصفها وائتزر بنصفها، ثم والله الذي لا إله غيره، لقد رأيت أولئك النفر وما منهم أحد إلا وهو وال على مصر من الأمصار، بعد هذا الأذى وهذا الحصار المطلق فتح الله لهم أبواب الفتح، واستجابت لهم الأمم لصدقهم مع الله سبحانه وتعالى، فنصرهم بالرعب وهيأ لهم الأسباب، فأولئك القوم الذين هم بهذا القدر من القلة كما وصفهم الله تعالى في قوله: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض، تخافون أن يتخطفكم الناس)، آواهم الله ومكن لهم في الأرض، وأزاح عروش الملوك أمامهم، وجعل سيوفهم علامة على الرعب في وجوه الأمم كلها، ففتحت الأرض أمامهم، ولم يستطع ملك من الملوك ولا قائد من القادة أن يقف في وجه أضعف أولئك القوم، إنهم نصروا الله سبحانه وتعالى وصدقوا معه فنصرهم الله كما تعهد بذلك، فقد قال في كتابه: ﴿ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز﴾، وقال تعالى: ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين﴾، وقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم﴾، وقال تعالى: ﴿كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز﴾، فكتب الله لهم الغلبة والعزة والتمكين.

تعالوا بنا يا إخواني لحظة لنقارن وضعنا نحن مع وضع أولئك القوم، إن أحفاد هؤلاء القوم بعد أن فتحت عليهم الدنيا أبوابها انشغلوا عما شرف به أولئك القوم، فأصبح الرجل من أحفاد الصحابة يعيش هنا في هذه المدينة أو في غيرها من مدائن الإسلام لا يفكر إلا فيما يجمعه من الأموال، ولا يفكر بغزو في سبيل الله ولا إعلاء لكلمة الله ولا جهاد في سبيله، ولا أن يرعب عدوا من أعداء الله، ولا أن يذل عدوا من أعداء الله، ولا أن يقول كلمة الحق مدوية صارخة، ولا أن ينصر الله بأي موقف، يريد أن يعيش مائة سنة معافى في جسمه آمنا في سربه، لا يتعرض لأذى بمقال أو حال، ولا يتكلم أحد فيه، ولا يتلقى أي تهديد ولا أي أذى، فهل هكذا عاش أولئك القوم؟

إن أولئك القوم الذين تحبون الاقتداء بهم وتريدون مجاورتهم في الفردوس الأعلى من الجنة ما نالوا ذلك إلا بهذا الذي بذلوه، وبهذا الجهد الذي فعلوه، فكيف تتمنون الأماني دون أن تسلكوا الطريق، إن هذا الطريق كل من سلكه قد تعهد الله له بأن يوصله إلى هذا المقام فقد انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن يرجعه إلى المكان الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة أو أن يدخله الجنة، لذلك إذا قارنا أوضاعنا مع أوضاع البعثة سنجد انتشارا للشرك في هذه الأرض، حتى بين المسلمين قد يفعل بعضهم من الشرك ما لا يظنه شركا، ونرى انتشار للفواحش والظلم، ونرى استبدادا على الناس، ونرى قطيعة للرحم، ونرى أن الغني يزداد غنى من غير حل، وأن الفقير يزداد فقرا كذلك لاستغلال الأغنياء للفقراء، يستغلونهم أبشع استغلال، ونرى كذلك الفقراء يزدادون فقرا لا يمكن أن يحقق أحد منهم ما هو مضطر إليه وما هو محتاج له، إلا بالعناء المبين والمشقة الكبيرة بل قد فرض على الناس من أنواع الظلم ما يجعل الذي يريد أن يعيش من حلال لا يستطيع ذلك إلا بالربا والمحرمات التي لم يأذن الله بها، ونرى كذلك إدبارا عن منهج الله وإعراضا عن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام سائدا في كثير من البيئات، ونرى حرصا بالغا على جمع هذه الدنيا وحطامها كما كان أهل الجاهلية يفعلون، ونرى تناصرا بين الناس على أساس النسب القبلي كما كان في الجاهلية من غير قناعة بذلك من الناحية الدينية، لذلك كان لزاما علينا أن نراجع مسيرتنا حتى نعود إلى ما كان عليه ذلك الجيل، وحتى يحقق لنا الله ما وعدنا من النصر والتمكين في هذه الأرض، إن علينا عباد الله أن نراجع هذه المسيرة بالبدء بمدارسة ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، والاستسلام المطلق له والأخذ به، وأن نعلم أن ما يصيبنا في سبيل ذلك ليس شرا لنا، فالمفاهيم التي ترسخت في أذهاننا لا بد أن نزيلها، فإن الذين قتلوا يوم أحد شهداء في سبيل الله وقطعت آذانهم وأنوفهم وبقرت بطونهم قد حكم الله بأنهم لم يمسسهم سوء، فكل ما أصابهم ليس سوءا عند الله عز وجل، إذ قد حقق الله لهم أعلى الدرجات، وخصص لهم مقامهم في الفردوس الأعلى من الجنة، وشهد لهم بأنهم شهداء في سبيل الله، ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين

إن حال أولئك كان حال الصدق مع الله سبحانه وتعالى، ولهذا وقف عليهم رسول الله عليه الصلاة والسلام قبل موته بثمانية أيام فقال: إني شهيد على هؤلاء بأن صدقوا الله ما عاهدوه عليه، فترحم على أصحاب أحد وصلى عليهم وقال: إني شهيد على هؤلاء بأن صدقوا الله ما عاهدوه عليه، إن هذا المكان الذي ناله أصحاب أحد في الإسلام بالإمكان أن يناله الحاضرون اليوم والسامعون، فما هو إلا بالتضحية في سبيل الله والبذل لإعلاء كلمة الله وإيثار الآخرة على الدنيا، والأخذ بما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام ونصرته والتمكين له مهما كلف ذلك، إن علينا عباد الله بعد مدارستنا، لما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، أن نزيل ما بقي عالقا بأذهاننا من أمور الجاهلية، فما نراه اليوم من حرص على الدنيا وما نراه من أخذها من غير حلها، وما نراه من فشو الكذب والغش، وما نراه من فشو قطيعة الرحم، وما نراه كذلك من المذلة لأعداء الله، وما نراه من الهوان لدى أمم الشر، كله من مظاهر الجاهلية الجَهْلاء.

إن رجلا من أبناء المسلمين وقف في ملأ وناد عظيم من الناس في الأسبوع الماضي فذكر زعيما من الزعماء وقال: إن الناس لم يتفقوا على محمد عليه الصلاة والسلام ولكن أهل دولة كذا قد اتفقوا على هذا الزعيم الفلاني، تبا له كيف يقارن أحدا برسول الله عليه الصلاة والسلام، حتى لو كان من الصالحين، فكيف يقارن زعيما من زعماء الدنيا وظالما من ظلامها برسول الله عليه الصلاة والسلام، إن ذلك الملأ الذي قيلت فيه هذه الكلمة ودوت فيه في الأبواق، لم يستنكر أحد منهم، ولا وقف أحد منهم للرد عليه، بل قد أعجبوا بكلامه لأنهم جميعا يتسابقون في ميدان واحد هو ميدان النفاق

العلامة محمد الحسن الددو

الجيل الرباني الأول

علينا عباد الله أن نحرص على الصحبة الصالحة المعينة على هذا الطريق، كما حرص عليها أولئك النفر، فقد جاء أعرابي فرأى ما هم فيه، فأعجبه وهو يعلم أنه لا يستطيعه، فقال: يا رسول الله الرجل يحب القوم ولَمَّا يَلْحَقْ بهم، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام أنت مع من أحببت، انظروا إلى هذا الأعرابي الذي جاء من غنمه وباديته وهو يحب أن يفعل ما يفعله أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وما يفعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه يعلم في نفسه العجز عن ذلك، فقال: يا رسول الله الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، قال: أنت مع من أحببت.

فإذا حرص الإنسان على أن يحقق أمر الله في قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ حرص على أن يكون مع الصادقين فإن الله يرفع مقامه ومنزلته بذلك الحرص، ويكون هو من المؤازرين إن لم يكن من الذين يحملون الثمر، فقد ضرب الله هذا المثل لهذه الأمة، في الإنجيل، فقال: ﴿كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار﴾، فالزرع يخرج شطأه في البداية فتخرج السنبلة التي تحمل الحب وهي ضعيفة ملتوية، لكنها يحيط بها السنابل من كل جانب، وتلك السنابل لا تحمل الحب لكنها تتحمل الضربات عن السنبلة التي تحمل الحب، فتحول بين الطفيليات وبين الوصول إلى الحب، وتؤازرها في وجه الرياح، وبذلك تكون مشاركة، فمن كان عاجزا عن أداء عمل لكنه يستطيع أن يناصر أهله بما يستطيع فإن ذلك كاف في تحقيق مأموله والوصول إلى مراده، حتى يكون ﴿كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه﴾.

العلامة محمد الحسن الددو

الجيل الرباني الأول

حتى إن أبا ذر يوم قدم على رسول الله عليه الصلاة والسلام سأله فقال يا محمد من تابعك على هذا الأمر؟ قال: رجل وامرأة وعبد وصبي، كل شريحة من شرائح المجتمع خرج منها سابق هو أفضلها فكان من أتباع رسول الله عليه الصلاة والسلام إذ ذاك، فالرجل أبو بكر والمرأة خديجة بنت خويلد، والعبد بلال والصبي علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك الحال بالنسبة للغرباء الذين أتوا من ديار بعيدة، فهذا صهيب الرومي كان بمكة وكان تاجرا ثريا من الأغنياء، وكان كبير السن قد بلغ أكثر من المائة، وكان راميا معروفا لا يخطئ في رمايته، فلما أراد أن يهاجر إلى الله ورسوله أراد قريش منعه من ذلك، فجمع ماله فنثره بين أيديهم، فقال: يا معشر قريش ما ذا تبغون مني، فأنتم تعلمون أني شيخ قد بلغت أشدي وتجاوزت المائة، وليس بيني وبينكم رحم، وإن كنتم تطلبون المال فهذا مالي في وجوهكم، وإن كنتم تريدون ردي عن ديني فوالذي يحلف به صهيب لا يصل إليَّ أحد منكم حتى يخرج سهم من كبده، ونثر كنانته وفيها السهام وهم يعرفونه بالرماية، فتركوه وخرج مهاجرا إلى الله ورسوله

العلامة محمد الحسن الددو

الجيل الرباني الأول

ومن الأذكياء المشاهير أحمد بن عبد الحليم بن تيمية شيخ الإسلام، وقد كان إذا عرضت عليه المسألة يصلي ركعتين فيجلس في مصلاه وهو مكب على ركبتيه يقول: يا معلم داود علمني ويا مفهم سليمان فهمني، فهم يلجأون إلى الله تعالى في أن يفهمهم الحق وهذا بعيد جدا من التعصب، وبعيد جدا من أن يحتكر الإنسان الحق ويرى أن الحق هو ما لديه فقط وأن ما سواه هو عين الباطل فلذلك لا بد أن نتخلق جميعا بخلق العلماء وهديهم، وأن نعلم أن ما أخفاه الله سبحانه وتعالى من المسائل إنما هو أرزاق يرزقها من شاء من عباده، وهي مثل غيرها من الأمور التي تحتاج إلى الالتجاء إلى الله والتوكل عليه والاعتماد عليه في الشأن كله.

وكذلك لا بد أن يدرك الإنسان أنه ضعيف، فكما أن قواه ضعيفة عن القيام بحق الله في عباداته ولا يرضى أحد منا عن أية عبادة قام بها، هل يرضى أحد منكم عن صلاته التي صلاها الآن وهي صلاة العصر المشهودة التي قال كثير من أهل العلم هي الصلاة الوسطى، لا يستطيع أحد منكم أن يرضى عن عمله، فلذلك ينبغي أن يدرك أن فهمه واجتهاده وعلمه هو من عمله، فلا يكون مرضيا عنه فالرضا عنه من علامات النفاق، إذا رضي الإنسان عن علمه وفهمه فهذا من علامات النفاق، ولذلك لا بد أن يدرك أن علمه هو من عمله، كما أن عمله قاصر في كل الأمور كذلك علمه وفهمه، وبهذا يتواضع لله سبحانه وتعالى ويصلح للتلقي عنه وفهم كلامه، {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}

العلامة محمد الحسن الددو

التوازن والاعتدال في حياة المسلم

وأيضا لا بد أن نعلم أن الشارع إذا ميز الذكور من البنين في الميراث على البنات فليس معنى ذلك الجور على البنات في حقوقهن، فيجب على الوالدين مراعاة حقوق البنات كمراعاة حقوق الأولاد ولا فرق، فما عليهم من النفقة والسكنى والتربية والدعاء والنصح والتعليم من الحقوق يستوي فيه الذكور والإناث من أولادهم، وإنما خص الله تعالى الذكران في الميراث بالتضعيف بناء على أمور أخرى ومنها ما كلفهم من التكاليف، فالتشريف على قدر التكليف لأن الله تعالى جعل على الأولاد الذكور الدية ولم يجعل ذلك على البنات، وجعل على الرجال المهور ولم يجعل على النساء من ذلك شيئا وجعل على الرجال النفقات ولم يجعل على النساء من ذلك شيئا، فالمرأة لا يجب عليها نفقة زوجها ولو كانت غنية وكان فقيرا، ولا يجب عليها نفقة أخيها ولو كان فقيرا وهي غنية ولا يجب عليها نفقة ولدها ولو كانت غنية وهو فقير وهذه أمور مما ميز الله بها الرجال من التكاليف، كذلك في مقابلها زاد نصيبهم في الميراث وهذا من عدل الله سبحانه وتعالى، لكنه مع ذلك في الوصية وفي الوقف وغير ذلك ساوى بينهم، والإخوة لأم سواء أيضا ذكرهم وأنثاهم في الميراث، فهذا كله يقتضي الاعتدال والتوازن في التعامل

العلامة محمد الحسن الددو

التوازن والاعتدال في حياة المسلم

إن هذا الكتاب وهذه السنة لم ينزلا لجيل واحد من الناس، ولم يختص الله بهما أهل الاستنباط فقط، وإنما أنزلهما للجميع، لكنه جعل حظوظ الناس وأرزاقهم من فهمها متفاوتة، كتفاوت الحظوظ والأرزاق كلها، فالله تعالى هو المدبر الحي القيوم الخالق الرازق يقسم ما شاء لمن شاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، يجعل بعض الناس قادرا على الفهم والاستنباط والاستيعاب ومع ذلك يخفى عليه بعض القضايا السهلة ليعلم أنه ناقص قاصر، وقد قال الله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).

العلامة محمد الحسن الددو

الضوابط الشرعية لفهم الكتاب والسنة

ولو لم يخلق الله الموت لامتلأت الأرض ببني آدم ولأخذوا ما فيها من الخيرات واستوعبوا ما فيها من الطاقات ولم يستطيعوا بذلك الاشتراك في العيش في هذه الحياة الدنيا، ولكن الله خلق الموت لهذه الحكمة البالغة، فلو أعلمهم بالموت ولم يخلق لهم الأمل لضاقت عليهم الأرض بما رحبت حتى لو اتسعت وكثرت الأرزاق فيها لأن من علم أن وراءه الموت يرصده لا يمكن أن يطيب له عيش. لكنه سبحانه وتعالى خلق لهم الأمل فلا يزال الإنسان يؤمل الحياة حتى وهو في السياق والنزع، فيؤمل أن يعيش فبذلك يكتسب ويقدم شيئا للذين يعيشون على هذه الأرض من بعده؛ فهذا قد آتاه الله من الطاقات أكثر من حاجاته، وقد جعله بأمله يفكر التفكير الذي يعيش فيه القرون وراء القرون، فالمنتج لا ينتج لعمره فقط، ولو كان كذلك لما أنتج المبدعون الذين أتوا بإبداعات كان لها ما وراءها في تاريخ البشرية، لأنهم إنما ينتجون حسب حاجتهم فقط، ولكن لتدبير الله تعالى وهذا الأمل الذي خلقه فإن هؤلاء يفكرون لزمن غير محدد، ومن هنا ينتجون إنتاجا غير منقطع.

العلامة محمد الحسن الددو

العدالة الاجتماعية في الإسلام

إن على الأغنياء أن يستشعروا أن الله عز وجل هو الذي قسم هذه الأرزاق، ولم يقسمها على أساس عقل ولا على أساس علم ولا على أساس جاه ولا على أساس قوة بدن، وإنما قسمها لحكمة وجعلها امتحانا ومسؤولية، فمن آتاه الله هذا المال فعليه مسؤولية عظيمة تجاه الفقراء، فقد استخلفه الله على أرزاقهم، فإما أن يستكثر وإما أن يستقل. ولهذا فإن الذين جعل الله أرزاق الناس تحت أيديهم إن أحسنوا نالوا أجور كل من انتفع بما تحت أيديهم من المال، وإن أساءوا فإنه سيكتب عليهم أوزار أولئك الذين منعوهم ما يستحقون وحالوا بينهم وبين ما خلق الله لهم.

وهذا يبين أصلا شرعيا كبيرا ينبغي أن يدخل فيه كثير من القواعد، فمن أجله حرم الله الربا، ومن أجله حرم الله الاحتكار، ومن أجله حرم الله الإسراف، ومن أجله حرم الله الغش والخيانة، ومن أجله حرم الله سبحانه وتعالى الجهالة في البيع، ومن أجله حرم الله سبحانه وتعالى الإتلاف وكسر المسكوك وغير ذلك من أنواع الإفساد في الأرض، فهذه الأصول ما حرمت إلا من أجل المسؤولية التي هي على الأغنياء تجاه الفقراء، وإذا استشعروها فإنهم سيستصلحون المال لا لأنفسهم بل ليكونوا منفقين على عدد كبير من الناس، وليزداد التكافل بذلك بين الناس.

العلامة محمد الحسن الددو

العدالة الاجتماعية في الإسلام

كذلك من أوجه هذا التكافل الديات التي تدفعها العواقل، فإن الخطأ ليس من كسب الإنسان وليس من طاقته التخلص منه، ولو حمل عليه لانتقص إنتاجه وقصرت به أفكاره عما ينتج لصالح هذه الأمة، فلو كان الإنسان إذا قاد سيارته فحصل حادث من غير قصد منه فمات به عدد من الناس كلف هو بدياتهم أجمعين لترك الناس قيادة السيارات وتوقف كثير من المشاريع النافعة، وكذلك لو أن الإنسان كان يعلم أنه إذا بنى مبنى فانهد في أثناء بنائه من غير قصد منه فإنه سيدفع ديات المتأثرين به لتوقف الناس عن البناء وتعطلت منافع كثيرة للبشرية، وكذلك في الحفر وكذلك في استخراج المعادن وكذلك في غيرها من أنواع المشاريع النافعة، فجعل الله تعالى تشجيعا للناس على هذا هذه العواقل التي تتولى الخطأ عن أصحابه، وتتحمل ديات الخطأ سواء كان ذلك في الأنفس أو في المنافع أو في العظام والشجاج، وكذلك الدواوين التي تقوم مقام العواقل فالحضارة منافية للقبلية التي هي نظام بدوي في الأصل، والحضارة تجتمع فيها القبائل وتتخالط فيها الأعراق وتخف فيها العصبية القبلية فمن أجل هذا احتيج فيها إلى بديل عن العواقل فأنشأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإجماع من الصحابة الدواوين التي أصبح أهل كل مهنة يدفعون فيها الدية تكافلا فيما بينهم، فالشرطة يدي بعضهم عن بعض والجيش يدي بعضهم عن بعض، والمعلمون يدي بعضهم عن بعض، والأطباء يدي بعضهم عن بعض، وهكذا، فهذا عندما يزول النظام القبلي وتختلط الحضارة وتنتفي العصبيات، إن هذه الأوجه للتكافل والتكامل بين البشرية ينبغي أن لا يغفل عنها وأن تدعم وتقوى في حياة البشرية حتى يعرف من أين يؤتى بهذا المال وفيم ينفق

العلامة محمد الحسن الددو

العدالة الاجتماعية في الإسلام

أنت إذا رأيت الغني الذي يزداد غناه والفقير الذي يزداد فقره لا تلوم الفقير إذا حسد الغني وهو يراه يزداد غنى على حسابه هو، ومن هنا فإن الحزازة التي تحصل بين الأغنياء والفقراء التي كثيرا ما تؤدي إلى الثورات كما حصل في أوروبا في كثير من البلدان كانت الثورات فيها بسبب الإقطاع، فالثورة الفرنسية لماذا قامت؟ إنما قامت عندما تملك الأغنياء خيرات الأرض واستغلوا ما فيها، وأصبح الفقراء ضائعين في الشوارع وفي الغابات وتحت الأشجار لا يجدون لقمة عيش، ويستغلون استغلال العبيد، فثاروا وهم الأكثرية الكاثرة، وأخذوا حظهم وقاموا بثورتهم، وأدى ذلك إلى كثير من الظلم والفساد في الأرض، ومثل هذا ما حصل في بعض البلدان الإسلامية، فكلما فسد النظام واستحوذ على خيرات البلد واستغلها رجاله كلما ازدادت طبقة الفقراء والمهضومين والمضطهدين، وإذا ازدادت طبقة الفقراء فهي التي تثور ولا يمكن أن يقف في وجهها شيء، وإذا هدرت فستكون كالسيل الجارف الذي يقضي على كل ما كان أمامه ولا يقف في وجهه أي شيء، لاحظوا الثورة التي قامت في إيران بعد أن كان الشاه يتملك خيرات البلد ملكا خاصا له، فكل عائدات النفط تعود إلى جيب الشاه، وكل خيرات البلد تعود إلى جيب الشاه، وأسرته ووزرائه، فقامت الثورة التي كان الناس فيها يضحون بأولادهم وآبائهم وإخوانهم وقد شاهدتموها في الأفلام وقد شاهدنا فيها الرجل يسير مع زميله في الطريق في مسيرة فيقتل زميله فيغمس يده في الدم ويكتب بدم زميله شعارات الثورة على الجدران، وكذلك الثورة التي قامت في العراق عندما قام آل فيصل الذي هو ملك العراق بالاستحواذ على خيرات البلد واستغلال النفط أول ما ظهر وجعله ملكا خاصا لهم، فأصبحت حاشية الملك فيصل هم الأغنياء وازداد فقر من سواهم فقامت الثورة التي قتلوا فيها وجروا في الشوارع بالسيارات، فزيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء هي من سوء التسيير ونقص العدالة في توزيع الموارد وهي مدعاة للحسد وللبغضاء بين الناس ولتقطع الوشائج، ولا تؤدي إلا إلى الثورات والمقت والعصبيات، أما إذا حصلت العدالة في التوزيع فإن ذلك مقتض لاستقرار الأنظمة، حتى لو كانت الأنظمة كافرة، فالعدالة تستقر عليها الأنظمة مع كفرها، والجور والظلم لا تستقر فيه الأنظمة حتى مع إسلامها، ألا تلاحظون أن الأنظمة الغربية على ما فيها من فجور وفساد هي أعدل في التوزيع للخيرات بكثير بما لا يقارن من الدرجات من الأنظمة القائمة في البلدان الإسلامية ومن أجل هذا لا تسمعون انقلابا عسكريا في فرنسا ولا في بريطانيا ولا في أمريكا، ويتسلم الرئيس سلطته من أصوات الناس، وإذا هزم في الانتخابات جاء بكل رحابة صدر وسلم مفاتيح القنابل الذرية لخلفه الذي سيخلفه في الرئاسة ويودعه بابتسامه ويسير إلى التاكسي فيأخذها ويسير على الشوارع يأخذ رزقه من التاكسي، كحال جون ميجر يسوق تاكسي، يكتسب به، وقد سلم مفاتيح القنابل الذرية لخلفه الذي انتخب مكانه، وما ذلك إلا للعدالة في التوزيع فإن الوزير والرئيس ورئيس الحكومة وأي مسؤول لا يمكن أن يختص نفسه إلا بحظه ونصيبه الذي يستوي فيه أبعد الناس من السلطة وأدناهم منها، وبهذا تستمر الحكومات ولا تقع الانقلابات ولا تقع الفوضى ولا تقع الثورات، ولهذا لا تكادون تجدون بلدا من البلدان في العالم الثالث إلا وفيه محاولات انقلابية وثورات ومشكلات، وأنتم في بلد إفريقيا في بلد الانقلابات والحروب الأهلية التي ما زالت الآن بعد أن تعب الناس في حرب كابيلا وقضت على نصف مليون من سكان بلاده بعد أشهر قليلة أظهر من الاستبداد والطغيان ما لم يظهره سلفه، فبدأت الثورة عليه من جديد، وكذلك في غير هذا من البلدان فالحرب القائمة الآن في غينيا بيساو سببها هو الاستبداد وعدم العدالة في التوزيع، وكذلك الحرب القائمة في ليبيريا وكذلك الحرب التي قامت الحرب الأهلية التي قامت في روندا وقضت على أكثر من ثلاثة ملايين من البشر، وكذلك الحرب القائمة في الصومال التي ما زالت مستمرة إلى اليوم، والحروب التي تقوم الفينة بعد الأخرى في جيبوتي والانقلابات التي تقوم في أثيوبيا وغيرها من البلدان فالعدالة في توزيع موارد البلد بين سكانه مدعاة للاستقرار والاستمرار،

محمد الحسن الددو

العدالة الاجتماعية في الإسلام

الناس في عرفهم لا يطلقون الجرائم إلا على المستبشعات من الأمور التي لم يعد الناس يألفونها فالأمور المألوفة لدى الناس حتى لو كانت أكبر في ميزان الشرع لا يعدونها جريمة، إنما يعدون جريمة نكراء الأمر غير المألوف فيما بينهم، والسبب هو الاعتياد فقط، فالإنسان الذي يتعود على شيء يزول عنه ما كان يجده في نفسه من الكراهية له وعدم الاطمئنان له، فأنتم الآن إذا سمعتم الرعد في السماء لم ترعبوا منه، لكن إذا سمعتموه في الأرض يصيبكم منه رعب شديد، والسبب أنكم قد ألفتم الرعد في السماء ولم تألفوه في الأرض، لكن لا فرق بين الأمرين أصلا، كل ذلك تخويف من الله سبحانه وتعالى.

العلامة محمد الحسن الددو

الجريمة في الإسلام

( 1 )

الشاطبي – رحمه الله –

المسألة الثامنة:

من مقصود الشارع في الأعمال دوام المكلف عليها، والدليل على ذلك واضح؛ كقوله تعالى “إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون”، وقوله “يقيمون الصلاة”، وإقام الصلاة بمعنى الدوام عليها؛ بهذا فسرت الإقامة حيث ذكرت مضافة إلى الصلاة، وجاء هذا كله في معرض المدح، وهو دليل على قصد الشارع إليه، وجاء الأمر به صريحا في مواضع كثيرة؛ كقوله تعالى: “وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة”. وفي الحديث “أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل”. وقال “خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لن يمل حتى تملوا”. “وكان عليه الصلاة والسلام إذا عمل عمل أثبته.” “وكان عمله ديمة”.

وأيضا في توقيت الشارع وظائف العبادات، من مفروضات ومسنونات ومستحبات، في أوقات معلومة الأسباب ظاهرة ولغير أساب، ما يكفي في حصول القطع بقصد الشارع إلى إدامة الأعمال. وقد قيل في قوله تعالى في الذين ترهبوا “فما رعوها حق رعايتها”، فإن عدم مراعاتهم لها هو تركها بعد الدخول فيها والاستمرار.

ومن هنا يؤخذ حكم ما ألزمه الصوفية أنفسهم من الأوراد في الأوقات، وأمروا بالمحافظة عليها بإطلاق؛ لكنهم قاموا بأمور لا يقوم بها غيرهم. فالمكلف إذا أراد الدخول في عمل غير واجب، فمن حقه أن لا ينظر إلى سهولة الدخول فيه ابتداء حتى ينظر في مآله فيه، وهل يقدر على الوفاء به طول عمره أم لا؟ فإن المشقة التي تدخل على المكلف من وجهين: أحدهما؛ من جهة شدة التكليف في نفسه، بكثرته أو ثقله في نفسه. والثاني: من جهة المداومة عليه وإن كان في نفسه خفيفا.

وحسبك من ذلك الصلاة، فإنها من جهة حقيقتها خفيفة، فإذا انضم إليها معنى المداومة ثقلت. والشاهد قوله تعالى: “واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين”. فجعلها كبيرة، حتى قرن بها الأمر بالصبر، واستثنى الخاشعين فلم تكن عليهم كبيرة، لأجل ما وصفهم به من الخوف الذي هو سائق، والرجاء الذي هو حاد. وذلك ما تضمنه قوله “الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم” الآية. فإن الخوف والرجاء يسهلان الصعب؛ فإن الخائف من الأسد يسهل عليه تعب الفرار، والراجي لنيل مرغوبه يقصر عليه الطويل من المسافة. ولأجل الدخول في الفعل على قصد الاستمرار، وضعت التكاليف على التوسط، وأسقط الحرج، ونهي عن التشديد. وقد قال عليه الصلاة والسلام: “إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرض قطع ولا أرضا أبقى”، وقال: “من يشاد هذا الدين يغلبه”. وهذا يشمل التشديد بالدوام، كما يشمل التشديد بأنفس الأعمال، والأدلة على هذا المعنى كثيرة.

الإمام الشاطبي

الموافقات

(2)

ص 190

قد يسوغ للمجتهد أن يحمّل نفسه من التكليف ما هو فوق الوسط، بناء على ما تقدم في أحكام الرخص. ولما كان مفتيا بقوله وفعله كان له أن يُخفي ما لعله يقتدى به فيه، فربما اقتدى به من لا طاقه له بذلك العمل فينقطع، وإن اتفق ظهوره للناس نبه عليه، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل؛ إذ كان قد فاق الناس عبادة وخلقا، وكان عليه الصلاة والسلام قدوة، فربما اتبع لظهوره عمله؛ فكان ينهى عنه في مواضع؛ كنهيه عن الوصال، ومراجعته لعمرو بن العاص في سرد الصوم. وقد قال الله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم). وأمر بحل الحبل الممدود بين السرايتين، وأنكر على الحولاء بنت تويت قيامها الليل، وربما ترك العمل خوفا من يعمل به الناس فيفرض عليهم كقيام رمضان جماعة في المسجد. ولهذا – والله أعلم – أخفى السلف الصالح أعمالهم لئلا يتخذوا قدوة، مع ما كانوا يخافون عليه أيضا من الرياء أو غيره، وإن كان الإظهار عرضة للاقتداء لم يظهر منه إلا ما صح للجمهور أن يحتملوه.

الإمام الشاطبي

كتاب الاجتهاد

ص 86

والزهد في الشرع مخصوص بما طلب تركه، حسبما يظهر من الشريعة. فالمباح في نفسه خارج عن ذلك، ملا تقدم من الأدلة. فإذا أطلق بعض المعبرين لفظ الزهد على ترك الحلال، فعلى جهة المجاز، بالنظر إلى ما يفوت من الخيرات، أو لغير ذلك مما تقدم. وأزهد البشر صلى الله عليه وسلم، لم يترك الطيبات جملة إذا وجدها وكذلك من بعده من الصحابة والتابعين، مع تحققهم في مقام الزهد.

وليعلم أن ترك المباحات إما أن يكون بقصد أو بغير قصد. فإن كان بغير قصد فلا اعتبار به؛ بل هو غفلة لا يقال فيه “مباح”، فضلا عن أن يقال فيه “زهد”. وإن كان تركه بقصد، فإما أن يكون القصد مقصورا على كونه مباحا، فهذا محل النزاع؛ أو لأمر خارج، فذلك الأمر إن كان دنيويا كالمتروك، فهو انتقال من مباح إلى مثله لا زهد؛ وإن كان أخرويا، فالترك إذا وسيلة إلى ذلك المطلوب. فهو فضيلة من جهة ذلك المطلوب، لا من جهة مجرد الترك. ولا نزاع في هذا.

وعلى هذا المعنى فسره الغزالي إذ قال: “الزهد عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو أخير منه”. فلم يجعل مجرد الانصراف عن الشيء خاصة، بل بقيد الانصراف إلى ما هو خير منه: وقال في تفسيره: “ولما كان الزهد رغبة عن محبوب بالجملة، لم يتصور إلا بالعدول إلى شيء هو أحب منه. وإلا فترك المحبوب لغير الأحب محال”. فدل هذا على أن الزهد لا يتعلق بالمباح من حيث هو مباح على حال. ومن تأمل كلام المعتبرين فهو دائر على هذا المدار.

الإمام الشاطبي

كتاب الأحكام

ص 208

فأما الاقتداء بأفعاله حيث يصح الاقتداء بمن ليس بصاحب حال فإنه لا يصح إلا بمن هو ذو حال مثله. وبيان ذلك أن أرباب الأحوال عاملون في أحوالهم على إسقاط الحظوظ، بالغوا غاية الجهد في أداء الحقوق، إما لسائق الخوف، أو لحادي الرجاء، أو لحامل المحبة. فحظوظهم العاجلة قد سقطت من أيديهم بأمر شاغل عن غير ما هم فيه، فليس لهم عن الأعمال فترة، ولا عن جد السير راحة. فمن كان بهذا الوصف فكيف يقدر على الاقتداء به من طلبٌ لحظوظه مشاحّ في استقصاء مباحاته؟!

وأيضا فإن الله تعالى سهل عليهم ما عسَّر على غيرهم، وأيدهم بقوة منه على ما تحملوه من القيام بخدمته، حتى صار الشاق على الناس غير شاق عليهم، والثقيل على غيرهم خفيفا عليهم، فكيف يقدر على الاقتداء بهم ضعيف المُنّة عن حمل تلك الأعباء، أو مريض العزم في قطع مسافات النفس، أو خامد الطلب لتلك المراتب العلية، أو راض بالأوائل عن الغايات؟!

فكل هؤلاء لا طاقة لهم باتباع أرباب الأحوال؛ وإن تطوقوا ذلك زمانا فعما قريب ينقطعون، والمطلوب الدوام. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: “خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لن يمل حتى تملوا” وقال: “أحب العمل إلى الله ما دوام عليه صاحبه وإن قل” وأمر بالقصد في العمل وأنه مبلغ، وقال: “إن الله يحب الرفق في الأمر كله” وكره العنف والتعمق والتكلف والتشديد خوفا من الانقطاع وقال: “اعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم” ورفع عنا الإصر الذي كان على الذين من قبلنا.

فإذا كان الاقتداء بأرباب الأحوال آيلا إلى مثل هذا الحال لم يلق أن ينتصبوا منصب الاقتداء وهم كذلك، ولا أن يتخذهم غيرهم أئمة فيه اللهم إلا أن يكون صاحب حال مثلهم وغير مخوف عليه الانقطاع. فإذ ذاك يسوغ الاقتداء بهم على ما ذكر من التفصيل. وهذا المقام قد عرفه أهله، وظهر لهم برهانه على أتم وجوهه.

وأما الاقتداء بأقواله إذا استفتي في المسائل فيحتمل تفصيلا: وهو أنه لا يخلو إما أن يستفتى في شيء هو فيه صاحب حال، أو لا. فإن كان الأول جرى حكمه مجرى الاقتداء بأفعاله؛ فإن نطقه في أحكام أحواله من جملة أعماله، والغالب فيه أنه يفتي بما يقتضيه حاله، لا بما يقتضيه حال السائل. وإن كان الثاني ساغ ذلك لأنه إذ ذاك كأنما يتكلم من أصل العلم لا من رأس الحال؛ إذ ليس مأخوذا فيه.

الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى

كتاب الاجتهاد

ص 255

أن مقصود الشارع من مشروعة الرخصة، الرفق بالمكلف عن تحمل المشاق؛ فالأخذ بها مطلقا موافقة لقصده. بخلاف الطرف الآخر فإنه مظنة التشديد، والتكلف، والتعمق، المنهي عنه في الآيات؛ كقوله تعالى: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) وقوله (ولا يريد بكم العسر) وفي التزام المشاق تكليف وعسر. وفيها روي عن ابن عباس في قصة بقرة بني إسرائيل: (لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم) وفي الحديث: (هلك المتنطعون) ونهى عن التبتل وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني) بسبب من عزم عن صيام النهار وقيام الليل واعتزال النساء إلى أنواع الشدة التي كانت في الأمم، فخففها الله عليهم بقوله: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)، وقد ترخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنواع من الترخص خاليا وبمرأى من الناس؛ كالقصر والفطر في السفر؛ والصلاة جالسا حين جحش شقه، وكان حين بدن يصلي بالليل في بيته قاعدا، حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ شيئا ثم ركع. وجرى أصحابه رضي الله عنهم ذلك المجرى من غير عتب ولا لوم، كما قال: (ولا يعيب بعضنا على بعض). والأدلة في هذا المعنى كثيرة.

ص 256

أن ترك الترخص مع ظن سببه قد يؤدي إلى الانقطاع عن الاستباق إلى الخير، والسآمة والملل، والتنفير عن الدخول في العبادة، وكراهية العمل. وترك الدوام. وذلك مدلول عليه في الشريعة بأدلة كثيرة. فإن الإنسان إذا توهم التشديد أو طًلب أو قيل له فيه؛ كره ذلك ومله: وربما عجز عنه في بعض الأوقات فإنه قد يصبر أحيانا وفي بعض الأحوال، ولا يصبر في بعض. والتكليف دائم.

فإن لم ينفتح له من باب الترخص إلا ما يرجع إلى مسألة تكليف ما لا يطاق، وسد عنه ما سوى ذلك، عد الشريعة شاقة. وربما ساء ظنه بما تدل عليه دلائل رفع الحرج، أو انقطع أو عرض له بعض ما يكره شرعا. وقد قال تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) وقال (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا) قيل إنها نزلت بسبب تحريم ما أحل الله تشديدا على النفس، فسمي اعتداء لذلك.

وفي الحديث: (خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لن يمل حتى تملوا) (وما خير عليه الصلاة والسلام بين أمرين إلا اختار ايسرهما ما لم يكن اثما) الحديث. ونهى عن الوصال، فلما لم ينتهوا واصل بهم يوما ثم يوما، ثم رأوا الهلال، فقال: (لو تأخر الشهر لزدتكم) كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا، وقال: (لو مد لنا في الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم) وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاصل حين كبر: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وفي الحديث: هذه الخولاء بنت تويت زعموا أنها لا تنام الليل، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تنام الليل؟ خذوا من العمل ما تطيقون) الحديث. فأنكر فعلها كما ترى. وحديث إمامة معاذ بن جبل حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم (أفتان أنت يا معاذ).

وقال رجل والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان، مما يطيل بنا. قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ، ثم قال: (إن منكم منفرين) الحديث. وحديث الحبل المربوط بين ساريتين، سأل عنه عليه الصلاة والسلام، قالوا حبل زينب، تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به فقال: (حلوه، ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر قعد)

وأشباه هذا كثير. فترك الرخصة من هذا القبيل. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر) فإذا كان كذلك ثبت أن الأخذ بالرخصة أولى؛ وإن سلم أنه ليس بأولى: فالعزيمة ليست بأولى.

ص 257

أن مراسم الشريعة إن كانت مخالفة للهوى، كما تبين في موضعه من هذا الكتاب، فإنها أيضا إنما أتت لمصالح العباد في دنياهم ودينهم. والهوى ليس بمذموم إلا إذا كان مخالفا لمراسم الشريعة. وليس كلامنا فيه. فإن كان موافقا فليس بمذموم. ومسألتنا من هذا، فإنه إذا نصب لنا الشرع سببا لرخصة، وغلب على الظن ذلك، فأعملنا مقتضاه وعملنا بالرخصة، فأين اتباع الهوى في هذا؟

وكما أن اتباع الرخص يحدث بسببه الخروج عن مقتضى الأمر والنهي، كذلك اتباع التشديدات وترك الأخذ بالرخص يحدث بسببه الخروج عن مقتضى الأمر والنهي. وليس أحدهما بأولى من الآخر. والمتتبع للأسباب المشروعة في الرخص والعزائم سواء. فإن كانت غلبة الظن في العزائم معتبرة، فكذلك في الرخص، وليس أحدهما أحرى من الآخر. ومن فرق بينهما فقد خالف الإجماع.

ص 163

كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس، ويميل إليه القلب قل أو كثر، فإذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه، وقل به إخلاصه. والإنسان منهمك في حظوظه منغمس في شهواته قلما ينفك فعل من أفعاله، وعبادة من عباداته، عن حظوظ ما وأغراض عاجلة. ولذلك من سلم له في عمره خطرة واحدة خالصة لوجه الله نجا، وذلك لعز الإخلاص وعسر تنقية القلب عن هذه الشوائب.

أبو حامد الغزالي نقلا من الشاطبي

كتاب المقاصد

(1)

عن الإمام مالك بن أنس

قال أبو مصعب قال لنا المغيرة: تعالوا نجمع كل ما بقي علينا ما نريد أن نسأل عنه مالكا. فمكثنا نجمع ذلك، وكتبنا في قنادق ووجّه به المغيرة إليه، وسأله الجواب، فأجابه في بعضه وكتب في الكثير منه: لا أدري. فقال المغيرة يا قوم لا والله ما رفع الله هذا الرجل إلا بالتقوى. من كان منكم يُسأل عن هذا فيرضى أن يقول لا أدري؟

والروايات عن مالك في “لا أدري” و”لا أحسن” كثيرة؛ حتى قيل لو شاء رجل أن يملأ صحيفته من قول مالك “لا أدري” لفعل قبل أن يجيب في مسألة. وقيل له: إذا قلت أنت يا أبا عبد الله لا أدري فمن يدري؟ قال ويحك! أعرفتني؟ ومن أنا؟ وإيش منزلتي حتى أدري ما لا تدرون. ثم أخذ يحتج بحديث ابن عمر، وقال هذا ابن عمر يقول “لا أدري” فمن أنا؟ وإنما أهلك الناسَ العجبُ وطلب الرياسة.

وقال ابن عجلان: (إذا أخطأ العالم قول “لا أدري” أصيبت مقاتله). وكان مالك يقول: (ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول “لا أدري” لتكون أصلا يرجعون إليه)

وقال له ابن القاسم: ليس بعد أهل المدينة أعلم بالبيوع من أهل مصر. فقال مالك: ومن أين علموها؟ قال: منك. فقال مالك: ما أعلمها فكيف يعلمونها بي؟

وقيل له: إن قريشا تقول إنك لا تذكر في مجلس آباءها وفضائلها، فقال: إنما نتكلم فيما نرجو بركته.

الإمام الشاطبي

( 2 )

ابن القيم – رحمه الله –

ومن هنا يعلم اضطرار العبد إلى سؤال “اهدنا الصراط المسقيم” فوق كل ضرورة، وبطلان قول من يقول: إذا كنا مهتدين، فكيف نسأل الله الهداية؟ فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاونا وكسلا مثل ما نريده، أو أكثر منه أو دونه. وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك. وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوق الحصر. ونحن محتاجون إلى الهداية التامة.

الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى

ولما كان طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر الناس ناكبون عنه، مريدا لسلوك طريق مرافقه فيها في غاية القلة والعزة. والنفوس مجبولة على وحشة التفرد، وعلى الأنس بالرفيق، نبه الله سبحانه على الرفيق في هذا الطريق، وأنهم هم الذين (أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) فإضاف الصراط إلى الرفيق السالكين له، وهم الذين أنعم الله عليهم، ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الصراط وحشة تفرده عن أهل زمانه وبني جنسه. والقصد أن في ذكر هذا الرفيق ما يزيل وحشة التفرد، ويحث على السير والتشمير للحاق بهم.

الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى

فالكبائر: كالرياء، والعجب، والفخر، والخيلاء، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والفرح والسرور بأذى المسلمين، والشماتة بمصيبتهم، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريما من الزنا، وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة. ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها والتوبة منها، وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن. وهذه الآفات إنما تنشأ من الجهل بعبودية القلب وترك القيام بها.

الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى

ومن العابدين أناس توفرت هممهم على استكثارهم من الحسنات دون مطالعة عيب النفس والعمل، والتفتيش على دسائسهما. ويحملهم على استكثارها رؤيتها والإعجاب بها؛ ولو تفرغوا لتفتيشها، ومحاسبة النفس عليها، والتمييز بين ما فيها من الحظ والحق، لشغلهم ذلك عن استكثارها. ولأجل هذا كان عمل العابد القليل المراقبة لعمله خفيفا عليه، فيستكثر منه، ويصير بمنزلة العادة، فإذا أخذ نفسه بتخليصها من الشوائب، وتنقيتها من الكدر، وما في ذلك من شوك الرياء: وجد لعمله ثقلا كالجبال وقل في عينه. ولكن إذا وجد حلاوة سهل عليه حمل أثقاله، والقيام بأعبائه، والتلذذ والتنعم به مع ثقله.

وإذا أردت فهم هذا القدر كما ينبغي فانظر وقت أخذك في القراءة إذا أعرضت عن واجبها وتدبرها وتعقلها. وفهم ما أريد من كل آية، وحظك من الخطاب بها، وتنزيلها على أدواء قلبك والتقيد بها، كيف تدرك الختمة أو أكثرها أو ما قرأت منها بسهولة وخفة مستكثرا من القراءة؟ فإذا ألزمت نفسك التدبر ومعرفة المراد والنظر إلى ما يخصك منه والتعبد به، وتنزيل دوائه على أدواء قلبك، والاستشفاء به، لم تكد تجوز السورة إلى غيرها. وكذلك إذا جمعت قلبك كله على ركعتين، أعطيتهما ما تقدر عليه من الحضور والخشوع والمراقبة، لم تكد أن تصلي غيرهما إلا بجهد. فإذا خلا القلب من ذلك عددت الركعات بلا حساب. فالاستكثار من الطاعة دون مراعاة آفاتها وعيوبها دليل على قلة الفقه.

وقد يرى فعالها أن له حقا على الله في مجازاته على تلك الحسنات بالجنات والنعيم والرضوان، ولهذا كثرت في عينه مع غفلته عن أعماله، لا يدري أنه لن ينجو أحد البتة من النار بعمله، إلا بعفو الله ورحمته.

الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى

وفي الصحيح “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثا. ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام” وأمره الله تعالى بالاستغفار بعد أداء الرسالة والقيام بما عليه من أعبائها، وقضاء فرض الحج واقتراب أجله. فقال في آخر سورة إنزلت عليه “إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا* فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا”

ومن هنا فهم عمر وابن عباس رضي الله عنهما أن هذا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه به، فأمره أن يستغفره عقيب أداء ما كان عليه. فكأنه إعلام بأنك قد أديت ما عليك ولم يبق عليك شيء، فاجعل خاتمته الاستغفار كما كان خاتمة الصلاة والحج وقيام الليل. وخاتمة الوضوء أيضا أن يقول بعد فراغه: “سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين”

الإمام ابن القيم

ومن تمام هذا التمييز أن يعلم أن رضاء العبد بطاعته دليل على حسن ظنه بنفسه، وجهله بحقوق العبودية، وعدم عمله بما يستحقه الرب جل جلاله ويليق أن يعامله به. وحاصل ذلك: أن جهله بنفسه وصفاته وآفاتها وعيوب عمله، وجهله بربه وحقوقه وما ينبغي أن يعامل به، يتولد منهما رضاه بطاعته، وإحسان ظنه بها، ويتولد من ذلك: من العجب والكبر والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة من الزنا، وشرب الخمر، والفرار من الزحف ونحوها. فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقاتها.

الإمام ابن القيم رحمه الله

وعليك أن تربأ بنفسك عن تعيير المقصرين، فلعل تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته، لما فيه من صور الطاعة، وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب. وأن أخاك باء به. ولعل كسرته بذنبه، وما أحدث له من الذلة والخضوع، والازدراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى، والكبر والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب، أنفع له، وخير من صولة طاعتك، وتكثرك بها والاعتداد بها، والمنة على الله وخلقه بها. فما أقرب هذا العاصي من رحمه الله، وما أقرب هذا المدل من مقت الله. فذنب تذل به لديه، أحب من طاعة تدل بها عليه. وإنك إن تبيت نائما وتصبح نادما، خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا، فإن المعجب لا يصعد له عمل. وإنك إن تضحك وأنت معترف، خير من أن تبكي وأنت مدل. وإن أنين المذنبين أحب إلى الله عز وجل من زجل المسبحين المدلين، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر.

الإمام ابن القيم رحمه الله

ولله في أهل معصيته أسرار لا يعلمها إلا هو، ولا يطالعها إلا أهل البصائر. فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر، ووراء ذلك ما لا يطلع عليه الكرام الكاتبون. وقد قال عليه النبي عليه الصلاة والسلام “إذا زنت أمة أحدكم فليقم عليها الحد ولا يثرِّب” أي لا يعيِّر، من قول يوسف عليه السلام لأخوته “لا تثريب عليكم اليوم” فإن الميزان بيد الله، والحكم له. فالسوط الذي ضرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب، فالقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب. ولا يأمن كرات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به، وأقربهم إليه وسيلة “ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا”، وقال يوسف الصديق “وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين”. وكانت عامة يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا ومقلب القلوب”.

الإمام ابن القيم رحمه الله

ومن علامات الإنابة: ترك الاستهانة بأهل الغفلة والخوف عليهم، مع فتحك باب الرجاء لنفسك، فترجو لنفسك الرحمة، وتخشى على أهل الغفلة النقمة، ولكن أرج لهم الرحمة، واخش على نفسك النقمة. فإن كنت لا بد مستهينا بهم ماقتا لهم، لانكشاف أحوالهم لك، ورؤية ما هم عليه، فكن لنفسك أشد مقتا منك لهم، وكن أرجى لهم لرحمة الله منك لنفسك. وقد قال بعض السلف: لن تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله، ثم ترجع إلى نفسك فتكون لها أشد مقتا.

وهذا كلام لا يفقه معناه إلا الفقيه في دين الله. فإن من شهد حقيقة الخلق، وعجزهم وضعفهم وتقصيرهم، بل تفريطهم، وإضاعتهم لحق الله، وإقبالهم على غيره، وبيعهم حظهم من الله بأبخس الثمن من هذا العاجل الفاني، لم يجد بدا من مقتهم. ولا يمكنه غير ذلك البتة. ولكن إذا رجع إلى نفسه وحاله وتقصيره، وكان على بصيرة من ذلك، كان لنفسه أشد مقتا واستهانة، فهذا هو الفقيه.

الأمام ابن القيم رحمه الله

وأما الاستقصاء في رؤية علل الخدمة: فهو التفتيش عما يشوبها من حظوظ النفس، وتمييز حق الرب منها من حظ النفس. ولعل أكثرها – أو كلها – أن تكون حظا لنفسك وأنت لا تشعر.

فلا إله إلا الله. كم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة، وأن تصل إليه؟ وإن العبد ليعمل العمل حيث لا يراه بشر البتة، وهو غير خالص لله، ويعمل العمل والعيون قد استدارت عليه نطاقا، وهو خالص لوجه الله، ولا يميز هذا إلا أهل البصائر وأطباء القلوب العالمون بأدوائها وعللها.

فبين العمل وبين القلب مسافة. وفي تلك المسافة قًطَّاع تمنع وصول العمل إلى القلب. فيكون الرجل كثير العمل وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء، ولا زهد في الدنيا ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرق به بين أولياء الله وأعدائه، وبين الحق والباطل، ولا قوة في أمره. فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه لاستنار وأشرق، ورأى الحق والباطل، وميز بين أولياء الله وأعدائه وأوجب له ذلك مزيد من الأحوال.

ثم إن بين القلب وبين الرب مسافة. وعليها قُطَّاع تمنع وصول العمل إليه، من كبر وإعجاب وإدلال، ورؤية العمل، ونسيان المنة، وعلل خفية لو استقصى في طلبها لرأى العجب. ومن رحمة الله تعالى سترها على أكثر العمال، إذ لو رأوها وعاينوها لوقعوا فيما هو أشد منها، من اليأس والقنوط والاستحسار وترك العمل وخمود العزم وفتور الهمة. ولهذا لما ظهرت “رعاية” أبي عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي واشتغل بها العباد عطلت منهم مساجد كانوا يعمرونها بالعبادة. والطبيب الحاذق يعلم كيف يطبب النفوس؛ فلا يعمر قصرا ويهدم مصرا.

الإمام ابن القيم رحمه الله

وكثير من المتوكلين يكون مغبونا في توكله، وقد توكل حقيقة التوكل وهو مغبون. كمن صرف توكله إلى حاجة جزئية استفرغ فيها قوة توكله، ويمكنه نيلها بأيسر شيء. وتفريغ قلبه للتوكل في زيادة الإيمان والعلم ونصرة الدين والتأثير في العالم خيرا. فهذا توكل العاجز القاصر الهمة. كما يصرف بعضهم همته وتوكله ودعاءه إلى وجع يمكن مداواته بأدنى شيء، أو جوع يمكن إزالته بنصف رغيف، أو نصف درهم، ويدع صرفه إلى نصرة الدين وقمع المبتدعين وزيادة الإيمان ومصالح المسلمين.

الإمام ابن القيم رحمه الله

وحال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه محك الأحوال وميزانها، بها يعلم صحيحها من سقيمها، فإن هممهم كانت في التوكل أعلى من همم من بعدهم. فإن توكلهم كان في فتح بصائر القلوب، وأن يعبد الله في جميع البلاد، وأن تشرق شموس الدين الحق على قلوب العباد، فملأوا بذلك التوكل القلوب هدى وإيمانا، وفتحوا بلاد الكفر وجعلوها دار إيمان. وهبت روح نسمات التوكل على قلوب أتباعهم فملأتها يقينا وإيمانا. فكانت همم الصحابة رضي الله عنهم أعلى وأجل من أن يصرف أحدهم قوة توكله واعتماده على الله في شيء يحصل بأدنى حيلة وسعي، فيجعله نصب عينيه، ويحمل عليه قوى توكله، ويظن أنه يبلغ بذلك المراتب العالية.

الإمام ابن القيم رحمه الله

ولا تصح لك درجة (التواضع) حتى تقبل الحق ممن تحب وممن تبغض، فتقبله من عدوك كما تقبله من وليك. وإذا لم ترد عليه حقه، فكيف تمنعه حقا له قبلك؟ بل حقيقة التواضع أنه إذا جاءك قبلته منه، وإذا كان له عليك حق أديته إليه، فلا تمنعك عداوته من قبول حقه، ومن إيتائه إياه.

الإمام ابن القيم رحمه الله

إن قلب (الفتوة) وإنسان عينها، أن تفنى بشهادة نقصك، وعيبك على فضلك، وتغيب بشهادة حقوق الخلق عليك عن شهادة حقوقك عليهم. والناس في هذا مراتب، فأشرفها هم أهل هذه المرتبة، وأخسها عكسهم، وهم أهل الفناء في شهود فضائلهم عن عيوبهم، وشهود حقوقهم على الناس عن شهود حقوق الناس عليهم.

ومن مظاهر (الفتوة) ترك الخصومة، والتغافل عن الزلة، ونسيان الأذية. ونسيان الأذية فهو بأن تنسى أذية من نالك بأذى، ليصفو قلبك له، ولا تستوحش منه. وهناك نسيان من نوع آخر، وهو نسيان إحسانك إلى من أحسنت إليه، حتى لكأنه لم يصدر منك، وهذا النسيان أكمل من الأول.

ثم إن من مظاهر هذه الفتوة (أن تقرب من يقصيك، وتكرم من يؤذيك، وتعتذر إلى من يجني عليك، سماحة لا كظما، ومودة لا مصابرة) بأن يكون الإحسان والإساءة بينك وبينه خطين، فخطتك الإحسان، وخطته الإساءة. ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي، فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس، يجدها هذه بعينها. ولم يكن كمال هذه الدرجة لأحد سواه. ثم إن للورثة منها بحسب سهامهم من التركة. وما رأيت أحدا قط أجمع لهذه الصفات من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أن لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه. وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم.

وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكر لي واسترجع. ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، فسروا به ودعوا له، فرحمه الله تعالى ورضى عنه.

الإمام ابن القيم رحمه الله

المروءة مع الخلق؛ بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء، والخلق الجميل، ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه. وليتخذ الناس مرآة لنفسه. فكل ما كرهه ونفر عنه، من قول أو فعل أو خلق، فليجتنبه، وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله.

وصاحب هذه البصيرة ينتفع بكل من خالطه وصاحبه من كامل وناقص، وسيء الخلق وحسنه، وعديم المروءة وغزيرها. وكثير من الناس يتعلم المروءة ومكارم الأخلاق من الموصوفين بأضدادها كما روي عن بعض الأكابر: أنه كان له مملوك سيء الخلق، فظ غليظ، لا يناسبه، فسئل عن ذلك؟ فقال: أدرس عليه مكارم الأخلاق.

وهذا يكون بمعرفة مكارم الأخلاق في ضد أخلاقه. ويكون هذا بتمرين النفس على مصاحبته ومعاشرته والصبر عليه.

الإمام ابن القيم رحمه الله

و”الظرف” في السالك أحلى من كل حلو، وأزين من كل زين. فما قرن شيء إلى شيء أحسن من ظرف إلى صدق وإخلاص، وسر مع الله وجمعية عليه. فإن أكثر من عنى بهذا الشأن تضيق نفسه وأخلاقه عن سوى ما هو بصدده، فتثقل وطأته على أهله وجليسه، ويضن عليهم ببشره، والتبسط إليه، ولين الجانب له. ولعمر الله إنه لمعذور، وإن لم يكن في ذلك بمشكور، فإن الخلق كلهم أغيار، إلا من أعانك على شأنك وساعدك على مطلوبك.

لكن إذا تمكن العبد في حاله، وصار لهم إقبال على الله وجمعية عليه، أنس بالخلق وأنسوا به. وانبسط إليهم وحملهم على ضلعهم وبطء سيرهم. فعكفت القلوب على محبته للطفه وظرفه. فإن الناس ينفرون من الكثيف ولو بلغ في الدين ما بلغ. ولله ما يجلب اللطف والظرف في القلوب، ويدفع عن صاحبه من الشر، ويسهل له ما توعَّر على غيره. فليس الثقلاء بخواص الأولياء. وما ثقل أحد على قلوب الصادقين المخلصين إلا من آفة هناك. وإلا فهذه الطريق تكسو العبد حلاوة، ولطافة وظرفا. فترى الصادق فيها من أحلى الناس، وألطفهم وأظرفهم، قد زالت عنه ثقالة النفس، وكدورة الطبع، وصار روحائيا سمائيا، بعد أن كان حيوانيا أرضيا. فتراه أكرم الناس عشرة، وألينهم عريكة، وألطفهم قلبا وروحا. وهذه خاصة المحبة، فإنها تلطف وتظرف وتنظف.

الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى

وعلى المسلم تخليص العبودية من شوب العادة. وهي أن يمازج العبودية حكم من أحكام عوائد النفس تكون منفذة لها، معينة عليها. وصاحبها يعتقدها قربة وطاعة، كمن اعتاد الصوم مثلا وتمرن عليه، فألفته النفس، وصار لها عادة تتقضاها أشد اقتضاء فيظن أن هذا التقاضي محض العبودية، وإنما هو تقاضي العادة.

وعلامة هذا: أنه إذا عرض عليها طاعة دون ذلك، وأيسر منه، وأتم مصلحة، لم تؤثرها إيثارها لما اعتادته وألفته. فاعبد الله على مقتضى أمره، لا على ما تراه من رأيك. ولا يكون الباعث لك داعي العادة كما هو باعث من لا بصيرة له غير أنه اعتاد أمرا فجرى عليه، ولو اعتاد ضده لكان كذلك.

الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى


Posted by: rm29 | أوت 29, 2008

أناشيد

.

.

.

.

.

أناشيد رمضانية منوعة

يا ليلة القدر لـ العفاسي

أناشيد أهلاً رمضان

.

.

.

.

.

Posted by: rm29 | أوت 29, 2008

فلاشات

.

.

.

.

.

ربانيون لا رمضانيون

فلاشات صيد الفوائد

أقبلت يا رمضان

.

.

.

.

.

Posted by: rm29 | أوت 29, 2008

بطاقات


Posted by: rm29 | أوت 29, 2008

ذكرى

.
.
.
.
.
.
.

.
.
.
.
.
.
.

Posted by: rm29 | أوت 29, 2008

مواقع وروابط تهمك

.
.
.
.
.
.
.

مختارات رمضانية

رمضانيات

.
.
.
.
.
.
.

التصنيفات